دوليّة

تقرير للمركز الأفريقي للتحول الطاقوي: إفريقيا تملك إمكانات هائلة في الطاقة المتجددة لكنها تواجه تحديات بنيوية

منذ سنوات، تتحدث التقارير الدولية والإفريقية عن طفرة واضحة في مجال ​الطاقات المتجددة​، مدفوعة بجملة من التحديات والرهانات على مستوى القارة السمراء. وتواجه هذه الطفرة عقبات أبرزها تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء وتوسيع نطاق الاستفادة منها ليشمل نحو 600 مليون شخص ما زالوا خارج دائرة النفاذ، فضلًا عن السعي إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

وتمكنت ​أفريقيا​ خلال عام 2024 من بلوغ عتبة 70 غيغاوات من القدرة المركبة في مشاريع الطاقة النظيفة، مستفيدة من انخفاض التكاليف التكنولوجية عالميًا وتزايد الضغوط المناخية التي تشجع على ​التحول الطاقوي​، لكن ذلك يخفي وراءه هشاشة هيكلية واضحة تتمثل في اعتماد القارة شبه الكلي على الخارج لتأمين تجهيزاتها، من الألواح الشمسية إلى البطاريات وتوربينات الرياح والأنظمة الرقمية للتحكم، بحسب الوكالة الدولية للطاقات المتجددة.

وكشف تقرير صادر عن المركز الأفريقي للتحول الطاقوي أن التحول الكامل نحو الطاقات المتجددة يمكن أن يوفر للقارة الأفريقية مكاسب مالية تتراوح بين 3000 و5000 مليار دولار، كما أنه سيخلق 2.2 مليون فرصة عمل إضافية بحلول عام 2050. وأشار إلى أن البنية التحتية الكهربائية المحدودة في أفريقيا تمثل فرصة فريدة تتيح للقارة القفز مباشرة إلى عصر الطاقات المتجددة، متجاوزة بذلك الوقوع في فخ الأصول العالقة المرتبطة بالوقود الأحفوري. وأكد التقرير أن ذلك يتطلب رفع القدرة الإنتاجية من الطاقات المتجددة إلى نحو 3500 غيغاوات بحلول عام 2050، مقارنة بـ80 غيغاوات فقط في عام 2023.

ولفت إلى أن إفريقيا تمتلك إمكانيات هائلة في مجال ​الطاقة الشمسية​ تُقدّر بـ482 ألف غيغاوات، فضلاً عن موارد رياح برية تصل إلى أكثر من 71 ألف غيغاوات، ومع ذلك فإن حجم الكهرباء المطلوب في سيناريو الانتقال الكامل إلى الطاقات المتجددة لا يتجاوز 1 في المئة من هذا الاحتياطي الضخم، ولن يحتاج إلى أكثر من 1 في المئة من مساحة القارة.

في المقابل، حذر المنتدى الاقتصادي العالمي من أن نجاح التحول الطاقوي لا يعتمد فقط على التكنولوجيا والاستثمارات، بل يتوقف بالأساس على توافر الكفاءات البشرية القادرة على تنفيذه. وتحدث في تقريره السنوي “تعزيز التحول الفعّال للطاقة 2025” عن أن نقص اليد العاملة المؤهلة بات يشكّل تحديًا استراتيجيًا، لاسيما في القارة الأفريقية، مشيرًا إلى أن تطوير قوة عاملة مؤهلة قادرة على دعم نشر وصيانة البنى التحتية للطاقة النظيفة يمثل شرطًا أساسيًا للحفاظ على زخم التحول العالمي نحو الطاقات المتجددة.

وأوضح التقرير أن الدول ذات الدخل المنخفض، بما فيها معظم بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، تمتلك طلبًا متناميًا على الطاقة النظيفة لكنها تواجه عوائق بنيوية تعرقل التقدم، مثل محدودية القدرات المؤسساتية وصعوبة النفاذ إلى التمويل وضعف البنى التحتية، مشددًا على أن التعليم وتنمية رأس المال البشري يشكلان أحد الركائز الأساسية للتحضير الناجح للتحول الطاقوي إلى جانب البنى التحتية والحوكمة.

ويُعدّ تحول الطاقة العادل في أفريقيا مسارًا معقّدًا تحكمه تحديات بنيوية واقتصادية وسياسية متداخلة، بحسب مقال نشرته منصة “الطاقة” للخبيرة منال سخري، التي أشارت إلى أن العديد من الدول الإفريقية يعاني فقرًا طاقيًا حادًّا، حيث لا يحصل نحو 43% من السكان على الكهرباء، بينما يعاني أكثر من 80% من سكان المناطق الريفية من انعدام الوصول إلى مصادر طاقة نظيفة للطهي، وفق تقرير الوكالة الدولية للطاقة لعام 2022. وأوضحت سخري أن تحقيق ​العدالة الطاقية​ الأساسية يُعدّ شرطًا أوليًا قبل الحديث عن تحول الطاقة العادل، مشيرة إلى أن ضعف الحوكمة وغياب السياسات الطاقية الشاملة ووجود الفساد المؤسسي وانعدام الشفافية، كلها عوامل تؤدي إلى تعثر المشروعات أو سوء تنفيذها، إضافة إلى هشاشة بعض الدول الناتجة عن النزاعات المسلحة أو التوترات الاجتماعية التي تُضعف القدرة على تنفيذ إصلاحات إستراتيجية في القطاع الطاقي.

وأمام هذه التحديات، تتجه الأنظار إلى الجهود الدولية الداعمة لمسار التحول الطاقوي في القارة السمراء، حيث أعلنت ​الإمارات العربية المتحدة​ عن مبادرة تمويل بقيمة 16.5 مليار درهم لتعزيز قدرات أفريقيا في مجال الطاقة النظيفة، في إطار “اتحاد 7” الذي أطلقته خلال أسبوع أبوظبي للاستدامة عام 2022، بهدف تزويد 100 مليون فرد في أفريقيا بالكهرباء النظيفة بحلول عام 2035.

وتأتي هذه الخطوة امتدادًا لمسار التعاون التاريخي بين الإمارات ودول القارة الأفريقية، لتسريع جهود حماية الموارد الطبيعية وتعزيز استدامتها عبر تطوير وتشغيل مشاريع لتوليد الطاقة من الشمس والرياح وغيرها من حلول الطاقة النظيفة.

وبحسب التقرير، تُولي الإمارات اهتمامًا خاصًا بتعزيز أمن الطاقة في أفريقيا عبر ​الاستثمار في الطاقة​ الشمسية والرياح وحلول التخزين لتوفير بدائل عملية وموثوقة للدول التي تعاني فجوات في إمدادات الكهرباء. وتسعى الامارات إلى إرساء نموذج تعاون طويل الأمد مع القارة يقوم على شراكات تنموية متكاملة تشمل الطاقة والذكاء الاصطناعي والبنية التحتية، بما يدعم الازدهار الاقتصادي ويرسخ مكانتها الدولية.

وتستند السياسة الإماراتية في أفريقيا، بحسب منصة الطاقة الدولية، إلى نهج يوازن بين دعم المجتمعات المحلية وتطوير مشروعات تراعي الاستدامة والحياد الكربوني، ما يمنحها ميزة نسبية أمام شركاء آخرين، في وقت تبقى فيه القارة الأقل إسهامًا في التغير المناخي، إذ لا تتجاوز انبعاثاتها 4 في المئة من الإجمالي العالمي، لكنها تبقى الأكثر تأثرًا بتداعياته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى