توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحقيق بيئة مستدامة في الجزائر
يعتبر التحوّل الرقمي من أهم العوامل التي تُمكّن وتُعزّز من إيجاد حلول بيئية مستدامة في العصر الحالي، حيث عجّلت التقنيات الرقمية والافتراضية المتقدمة من تحليل البيانات البيئية بشكل صحيح وفعّال، ما يؤدي إلى معرفة أكبر بالمخاطر التي تهدد البيئة وإنشاء حلول إبداعية وعملية، بالإضافة إلى ذلك تساعد التقنيات الرقمية على تقليل حجم النفايات وزيادة كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، لدفع الاقتصاد الأخضر والدائري، التي قد تُثمر نتائج هامة لصالح اقتصاد البلاد.
وتساهم التطبيقات الذكية والابتكارات الخضراء في اتخاذ السلطات المحلية والولائية إجراءات سريعة لمعالجة الوضع البيئي، وهو ما تسعى إليه الجزائر منذ فترة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي كان ضمن التزاماته الـ54، حين أكد فيها على إعطاء وجه جديد وحضاري لعديد الولايات الساحلية والوسطى والجنوبية.
“الجزائر البيضاء”… تهيئة “ذكية” لاسترجاع بريق وجمال “المحروسة”
ويعتبر تطبيق “الجزائر البيضاء” من بين الحلول التكنولوجية في مجال البيئة وحماية المحيط، التي تم ابتكارها منذ سنتين للعمل بطريقة ذكية على تحسين المظهر الجمالي للعاصمة، وكذا القضاء على المفرغات العشوائية، وتهيئة الإقليم وغيرها من المهام، حيث تقوم الخلية التقنية للدراجات النارية التابعة لديوان والي ولاية الجزائر، عبر هذا “التطبيق الذكي”، بعملية التبليغ الرقمية ومتابعة المعالجة والإحصاء، واستخراج البيانات، وهو ما سمح خلال وقت قصير بإحداث تغيّر جذري بالوجه الجمالي للعاصمة.
تدعّمت وحدة الدراجات التي تم إطلاقها سنة 2022، بنظام رقمي من خلال إنشاء تطبيق “الجزائر البيضاء”، وذلك في سياق الاستراتيجية الجديدة المنتهجة، التي تهدف إلى زيادة الكفاءة وتقليل الجهد والوقت، وكذا تحويل العمليات التقليدية إلى رقمية، لتعزيز المنظومة البيئية وترقية المرافق الخدماتية العمومية، فضلا عن تحسين الإطار المعيشي للمواطن بمختلف بلديات العاصمة، حيث يرجى تعميم هذا التطبيق ليشمل عديد بلديات الوطن.
تنشط هذه الوحدة في 60 مجالا، منها المفرغات العشوائية للنفايات المنزلية.. وغيرها من المشاكل التي شوّهت المنظر العام والجمالي بمعظم بلديات العاصمة، ومن بين المهام الـ60 للتطبيق، التقاط صور لمكان تجمع النفايات من أجل تنظيفها، ثم يتم بعدها بساعات قليل إعادة التقاط صور أخرى في حال قيام المصلحة المختصة بالتنظيف، مع إرسال بيانات للمصالح البلدية، حيث تقوم المنصة بنقل هذه الأوامر الرقمية والمتابعة في حال وجود خلل ما، لإعادة إرسال المعلومات لتأكيد تنفيذ مهمة التنظيف.
منصات افتراضية تشاركية محلية مع المواطنين
من داخل مقر الخلية التقنية رافقت “الشروق” منتصف شهر أوت، عملية المتابعة الافتراضية، عبر التطبيق الذي يُسير نشاطه مهندسين مختصين في مجال الابتكار الرقمي، والتواصل مع “الدراجين” بالطريق العمومي بمختلف البلديات والدوائر بالعاصمة، ويكشف لنا المكلف بالتطوير التقني بالتطبيق بساعد عبد الرحمان، في حديثه لـ”الشروق” أن التركيز حاليا ينصّب على رقمنة عمليات التدخل في إطار برنامج تحول رقمي جاد وعملي، مع تطوير العمل من خلال إدراج تقنيات متطورة وابتكار أفكار جديدة تسهّل من عمل الفرقة بمختلف الأحياء والبلديات الـ57 بالعاصمة.
ويضيف المتحدث، أن التطبيق سمح بزيادة الكفاءة، كما ساهم في العديد من المهام اليومية لمراقبة الطريق العمومي بمختلف مجالات التفتيش، بالإضافة إلى تحسين دقة البيانات التي تصل إلى الخلية التقنية.
وأضاف محدثنا، أن المهندسين بالخلية التقنية يعملون ليلا ونهارا، على تحسين وتطوير العمل بالمنصة الرقمية من أجل الحصول على معلومات أكثر دقة، التي تقلل من احتمالية الخطأ في إدخال البيانات الرقمية ومعالجتها تلقائية، والوصول إلى المعلومات والبيانات المخزنة رقميا في أي وقت ومن أي مكان عبر التطبيق، مع احتمالية العمل مستقبلا على تطوير المنصة من خلال إدراج المواطن كعنصر مساهم في عمليات التبليغ الرقمية عن المشاكل التي تعاني منها أحياء بلديات العاصمة.
إلى جانب ذلك، أكد المتحدث أن التطبيق، يجري حاليا العمل على تطويره، بإدراج تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنشاء منصات تشاركية وشبكة مراقبة شعبية مع المواطنين، حتى يتمكّنوا من التبليغ بخصوص المشاكل مباشرة بالأحياء والطرقات عبر هواتفهم.
التطبيقات الذكية نقطة انعطاف “مهمة” في تنظيف وتجميل الجزائر
غيّرت التكنولوجيا المتطورة طريقة تعامل المجتمعات الحديثة مع البيئة وتسييرها، وعلى غرار الجزائر التي تسعى إلى البحث عن حلول مستدامة من أجل تحسين المظهر الجمالي لمدنها وحماية المحيط، من خلال استخدام عدة تطبيقات منها “الجزائر البيضاء” و”نظيف” وغيرها، التي كانت نقطة تحول مهمة في اعتماد إستراتيجيات لتنظيف وتجميل العاصمة.
ويؤكد في سياق الموضوع الدكتور علي كحلان، مدير عام مؤسسة “ساتلينكر” المتخصّصة في توزيع وتقديم خدمات الأنترنت، والمتابع لشؤون تكنولوجيات الإعلام والاتصال لـ”الشروق”، أن هذه المبادرة تطرح سؤالا مهما بخصوص تأثير التكنولوجيا المتطورة على حماية البيئة وتسيير المدن، متسائلا في ذات الوقت عن قدرة التكنولوجيا فعلاً على تحقيق تغيير مستدام في الجزائر؟
ويضيف الخبير علي كحلان، أن تطبيق “الجزائر البيضاء”، يمكن له يتعمم باقي ولايات الوطن التي تعاني الكثير جراء التلوث وتراكم النفايات، وأن يتدعّم أيضا باستخدام عدة أدوات تكنولوجية لمراقبة والحفاظ على نظافة المدينة، من بين هذي الأدوات، يقول المتحدث، استعمال الطائرات بدون طيّار “الدرون”، لرسم خرائط للمناطق المعرضة للخطر، واستخدام حساسات ذكية للكشف عن تسربات المياه أو حتى تطبيقات لإدارة النفايات في الوقت الحقيقي، لتسيير أمثل لمدننا باستخدام التكنولوجيا.
“الدرونز” لتحديد نقاط التجمعات العشوائية للنفايات
ومن بين التقنيات التي اقترحها الخبير علي كحلان، هو استخدام “طائرة الدورنز”، التي بإمكانها أن تقوم بالتحليق فوق المناطق الواسعة، والبنايات غير القانونية أو التجمعات العشوائية للنفايات، لتحديد النقاط السوداء، مردفا بالقول إن هذا الأمر لا يسمح فقط بتغطية مساحة كبيرة في وقت قصير، بل سيعطي إمكانية لتحليل البيانات بسرعة مع التدخل الفوري، وكذا تحديد بعض المشاكل الخاصة بتسريبات المياه، والانسدادات في شبكات الصرف الصحي وحتى مستويات التلوث في الهواء.
ويؤكد كحلان، في سياق حديثه، أن استغلال هذه التكنولوجيا، بالشكل الصحيح، سيساعد في توفير الوقت والفعالية، كما سيقلل من الاحتياج لليد العاملة في المهام المتكررة، وبالتالي، يمكن تحويل الموارد البشرية لمهام أكثر إستراتيجية.
الذكاء الاصطناعي للتحليل التنبؤي للمناطق المعرضة للخطر البيئي
ويرى كحلان أن تطبيق “الجزائر البيضاء” يمكن له أن يكون نموذجا ناجحا بالمدن الجزائرية الأخرى، وسيثبت ذلك مع الوقت أن التكنولوجيا المتطورة يمكن لها أن تلعب دورا حيويا في حماية البيئة بالجزائر، وليس فقط من ناحية الفعالية، إذ ستكون هناك حلول مستدامة، يضيف الخبير، تمهد الطريق لاستثمارات جديدة في تطوير ابتكارات محلية تتماشى مع احتياجات البلاد، ويكون ذلك من خلال دمج أنظمة مراقبة أوتوماتيكية واستغلال الذكاء الاصطناعي للتحليل التنبؤي للمناطق المعرضة للخطر، وتفادي المشاكل البيئية قبل حدوثها.
وتُعد العمليات التقليدية في جمع النفايات غير كافية للتعامل مع الكميات المتزايدة سنويا. وفي هذا السياق، يبرز التحوّل الرقمي كأداة فعالة يمكن أن تساهم في تطوير هذه العمليات وتحسين كفاءتها.
وبحسب المدير العام السابق للوكالة الوطنية للنفايات، كريم ومان، لـ”الشروق”، تتضمن العمليات التقليدية لجمع النفايات المنزلية والصلبة عادةً دورات منتظمة لجمع المخلفات من المنازل والمرافق العمومية، ومع ذلك، فإن هذا الأسلوب يواجه العديد من التحديات، مثل نقص الكفاءة، والتكاليف العالية، والاعتماد على تقديرات غير دقيقة حول كميات النفايات المنزلية، وأشار ومان إلى أن الجزائر حاليا تتمتع بقدرة كبيرة على تحقيق تقدم ملحوظ في مجال حماية البيئة، ما يعود بالنفع على الإطار المعيشي والاقتصادي المعيش، وتكمن الفائدة في دمج هذه الابتكارات ضمن استراتيجيات طويلة الأمد، مضيفا أنه يمكن استخدام أجهزة الاستشعار الذكية لرصد جودة الهواء والماء، مما يساعد في تحديد مناطق التلوث بدقة والتعامل معها بشكل فوري.
“التكنولوجيا الخضراء”… ثورة رقمية في الفرز والرسكلة
وفي ما يتعلق بإدارة النفايات، يقول كريم ومان، تتيح التكنولوجيات المتقدمة إحداث ثورة رقمية حقيقية في الجزائر في مجالات الفرز وإعادة التدوير والرسكلة، للتخلص النهائي من المخلفات، كما يمكن أن تساهم التطبيقات الذكية في تحسين تجربة المستخدم، من خلال تقديم تطبيقات للمواطنين، يقدّم من خلالها عمليات الإبلاغ عن الحاويات الممتلئة أو تقديم الشكاوى حول جمع النفايات المنزلية والصلبة، كما يمكن أن تتضمن هذه التطبيقات معلومات حول مواعيد جمع النفايات، ما يسهل على المواطنين تنظيم أنفسهم.
وأشار المتحدث، إلى أن التطبيق الذكي “نظيف” الذي أطلقته الوكالة الوطنية للنفايات العام الماضي 2023، سمح بخلق فضاء تفاعلي افتراضي بين الجماعات المحلية والمواطنين.
دعم المؤسسات الناشئة في الابتكارات البيئية والتقنيات الخضراء
ودعا ومان إلى ضرورة دعم المؤسسات الناشئة بمجال الابتكارات البيئية والتقنيات الخضراء، مشيرا إلى أن الحكومة الجزائرية يمكن لها تطوير برامج تسريع، وحوافز مالية لدعم المشاريع التي تركّز على حلول مبتكرة لفرز ورسكلة النفايات، حيث يمكن لهذه المبادرات تعزيز روح الابتكار، وفتح آفاق جديدة لخلق فرص عمل وديناميكية حقيقية حول سوق النفايات.
وشدّد ومان كريم، على ضرورة تطوير تطبيقات ذكية للهواتف المحمولة، التي تمكّن المواطنين من التواصل مع البلديات للإبلاغ عن مشاكل النفايات، وتسمح للبلديات أيضا بتوفير معلومات دقيقة لفائدة المواطنين حول جداول جمع النفايات ونقلها، على سبيل المثال.
ضرورة الفرز الذكي للنفايات المنزلية والصلبة بالأجهزة الحساسة
من جهته، يرى الخبير في مجال التكنولوجيا يونس قرار، في تصريح لـ”الشروق أونلاين”، أن الحلول الذكية في مجال البيئة وحماية المحيط أثبتت نجاعتها مؤخرا، من خلال قيامها بذات المهام التي يقوم بها الإنسان، وذلك من خلال بعض التطبيقات التي تتداول صور عن المفرغات العشوائية أو التبليغ الإلكتروني، من قبل فرقة “الدراجات النارية لتطبيق الجزائر البيضاء”، على سبيل المثال، حيث يمكن لهذه الحلول الذكية أن تقوم بدراسة الصور الملتقطة وتحديد وجود الظاهرة، وموقعها بدقة وإرسال رسائل وبيانات إلى الجهات المختصة تتضمن كافة المعلومات من أجل نزعها وتنظيف المكان، أو فرزها لإعادة رسكلتها.
ويضيف قرار، أن هذه العملية التقليدية كانت مهمة “شاقة” في وقت سابق، إلا أنها الآن من خلال تحليل الصور والبيانات والظواهر التي تلتقط بالأجهزة الحساسة، يمكن أن يكون هناك فرز ذكي للنفايات الصلبة والمنزلية، وبحسب ذات الخبير ستساعد هذه التقنيات كثيرا مصالح النظافة، مع ربح الوقت والاستثمار أيضا في مجال الرسكلة، لتحقيق أرباح اقتصادية بالنسبة للمؤسسات الصناعية المتخصصة والناشئة، لتقليص فجوة الانبعاث خلال عمليات الإتلاف والحرق.
الذكاء الاصطناعي سيوثّق شكاوى المواطنين مستقبلا
ويضيف قرار، أن التطبيقات والحلول الذكية يمكنها مستقبلا أن تعمل على معرفة كمية الرطوبة والأوساخ المتواجدة في الهواء، كما تساعد في القيام بعمل التنقية، أو إيصال المعلومة للمصالح المختصة لاتخاذ القرارات اللازمة، وبحسب الخبير، يدخل ذلك في إطار استعمال هذه التقنيات الذكية والذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والمعطيات وكلها تقنيات في متناول الجزائر، لوجود كافة الوسائل التكنولوجية والكفاءات، من خلال الحصول على المعطيات باستعمال أجهزة الالتقاط المعلومات والبيانات والكاميرات، التي ترسل عن طريق شبكة الإنترنت، إلى المسؤولين مباشرة، أو طلب المساعدة من المواطنين عن طريق التواصل عبر التطبيقات الذكية، وإرسال رسالة مباشرة إلى الجهات المعنية، مع وجود متابعة عبر التطبيق الذي يعمل على توثيق الشكوى بدقة مع تحديد الوقت بالدقيقة والثانية، وإشارات وصول البلاغ بطريقة آلية وآنية.