سانشيز يدمر النفق الذي دخلت فيه العلاقات الجزائرية – الإسبانية
لم تمر الزيارة التي قادت رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، إلى المملكة المغربية، بدون أن تخلف تداعيات على حكومته في الداخل، وفي علاقات بلاده مع الجزائر. فاختيار سانشيز توقيت الزيارة كان في نوبة غضب جرا ما قيل “رفض” الجزائر استقبال وزير خارجيته، خوسي مانويل ألباريس، وهو ما جعله يتخذ مواقف وقرارات سوف تمدد من دون شك من عمر الأزمة، بل ستتعقد أكثر، برأي الكثير من المراقبين.
على المستوى السياسي في الداخل الإسباني، فقد طالب الحزب الشعبي المعارض، حضور رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، الجلسة العامة لمجلس النواب الإسباني لتقديم توضيحات بشأن الزيارة التي قادته إلى المملكة المغربية الأربعاء المنصرم، وهو القرار الذي وقعه المتحدث باسم حزب الشعب، ميغيل تيلادو ونواب المجموعة البرلمانية التابعة له، والبالغ عددهم 130 نائبًا.
ووفق صحيفة “إل ديبات” الإسبانية، فإن النواب يطالبون سانشيز تقديم تقرير حول “كيفية تنظيم الزيارة” و”أسباب عدم الإبلاغ عنها”، إلى غاية الـ24 ساعة التي سبقت السفرية. ويريد حزب الشعب المعارض من سانشيز تقديم توضيحات بخصوص الملفات التي تم تناولها في الزيارة، والتي خلفت جدلا سياسيا وإعلاميا، اضطر معه قصر الحكومة “مونكلوا”، للتبرؤ من تصريحات صدرت عن سانشيز، قبل أن يتبرأ منها.
أما على الصعيد الخارجي، فيمكن القول إن رئيس الحكومة الإسبانية دق آخر إسفين في علاقات بلاده المتضررة أصلا مع الجزائر، منذ ما يقارب السنتين، ويبدو أن الرجل كان ضحية اتخاذ قرارات وهو في نوبة غضب من فشل زيارة وزير خارجيته للجزائر. فعلى الرغم من إدراكه لحساسية موقف بلاده من القضية الصحراوية، إلا أنه تمادى في استفزاز الجزائر، وسيكون لهذا الاستفزاز تداعيات خطيرة على العلاقات الثنائية، والتي قد تصل هذه المرة إلى ملف الطاقة الحساس جدا، في إطار ما تسمح به العقود المبرمة بين البلدين.
المسؤول الإسباني لم يكتف بدعم موقفه السابق من القضية الصحراوية، بل تجاوب مع استدراج مدروس من قبل النظام المغربي، الذي كان يبحث بكل السبل عن تأزيم العلاقات بين الجزائر ومدريد، ليحصل بعدها على ما يريد، وهو الفخ الذي يبدو أنه لم يتفطن له سانشيز، إلا إذا كان مدفوعا بشحنة الغضب من فشل زيارة وزير خارجيته ألباريس إلى الجزائر.
يقول أحد أبرز المختصين في العلاقات الإسبانية المغربية، إجناسيو سامبريرو، العامل بصحيفة “إل كونفيدونسيال”، الإسبانية معلقا على مخرجات زيارة سانشيز إلى الرباط: “دخول القصر الملكي المغربي كان له ثمن. وقد دفع الرئيس بيدرو سانشيز ثمن ذلك، أولاً ببيان لمضيفه الملك محمد السادس، ثم أمام الصحافة”.
ويمضي سامبريرو الذي عمل لسنوات طويلة مراسلا من الرباط لصحيفة “الباييس” الإسبانية ذائعة الصيت، قائلا: “لقد كرر مرتين دعمه للحل الذي يدعو إليه الملك لحل نزاع الصحراء الغربية، بل وذهب أبعد مما كان عليه في مارس 2022، عندما قدم له (الملك المغربي)، لأول مرة، دعمه في رسالة كشف عنها البيت الملكي المغربي جزئيا”.
ووفق ما نقله الصحفي الإسباني، الذي اتهم النظام المغربي بالتجسس على هاتفه الشخصي انطلاقا من البرمجية الصهيونية “بيغاسوس”، فإن سانشيز “جدد للملك موقف إسبانيا الذي يعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل هذا النزاع”. وأمام الصحافة، أكد سانشيز التزام إسبانيا “بالحل الذي اقترحته حكومة المغرب، على أساس واقعي. ولم يذكر الأمم المتحدة ولو مرة واحدة”.
الأخطر من ذلك يضيف سامبريرو، هو أن سانشيز “رحب وأبرز اهتمام إسبانيا بالمبادرات الاستراتيجية التي أطلقها الملك، لاسيما مبادرة البلدان الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، وكشف البلاغ عن مبادرة لتسهيل وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، فضلا عن خط أنابيب الغاز الإفريقي الأطلسي بين نيجيريا والمغرب”.
ويمضي الصحفي الإسباني مستغربا: “حتى الآن، ظلت الحكومة الإسبانية صامتة بشأن هذه المشاريع. وكلها تمر عبر الصحراء الغربية. ومن خلال صياغتها، يحاول الملك تعزيز الاعتراف الدولي، على الأقل من جانب البلدان الإفريقية، بسيادة المغرب على تلك المستعمرة الإسبانية السابقة. ويلخص القضية بجملة بليغة قال فيها: “لقد أيّد رئيس الحكومة (سانشيز) أمام الملك (المغربي) كافة المشاريع التي تمس المستعمرة الإسبانية السابقة، والتي يسعى من خلالها إلى تعزيز الاعتراف بسيادة المغرب عليها”.
ما نقله سامبريرو وغيره من الصحفيين الإسبان، هي مقتطفات من البيان الختامي لزيارة سانشيز، عممه القصر المغربي، غير أن الحكومة الإسبانية لم تنف ما نسب لرئيسها، وذلك على الرغم من أنها تدخلت لنفي كلام منسوب لسانشيز خلال الزيارة ذاتها، هو ذلك المتعلق بتكذيب استثمار مدريد 45 مليار أورو في المملكة العلوية.